أخبار وتقارير

“فيديو” أوجاع زرانيق تهامة.. وقائع ومشاهد تنطق مأسي وجراح

  يمنات – الشارع

ما يجري في مديرية بيت الفقيه التي يصفها المؤرخون بقلب المقاومة التهامية واعظم معقل لها باعتبارها ملتقى لأشرس القبل الرافضة للظلم على التاريخ ما يجري فيها من أحدث ربما يكون نابعا عن فهم عميق وخبيث لتركيبتها وذاكرتها لاجتماعية وجروحها.

 أبناء هذه القبائل ورثوا عن اسلافهم حكايات مؤلمة عن مجازر معركتي القوقر في يناير 1929 وانهيار مقاومة تلك القبائل في 26 سبتمبر من نفس العام واستشهاد 850 من مختلف قبائل تهامة واقتياد ما يزيد على 1200 إلى سجن نافع في حجة مكبلين بالأصفاد وإعلان بدء سياسة انتهجها الإمام أحمد أدت إلى تحول زعامة المشيخ القبلي المقاوم من آل الجنيد "إلى مشايخ موالين يؤدون فروض الطاعة للإمام وينكون بمن اراد الثأر لشهداء المعارك مع "أمير المؤمنين " أو حاول الوصول إلى الأسرى في سجنهم الذي قضوا فيه نحبهم لقد طمست تلك الوقائع من التاريخ الرسمي في عهد الإمامة كما لم يرد أي ذكر لها في الأنظمة المتعاقبة على حكم تهامة والتي انتهجت سياسة الزواج غير المعلن بين سلطة الشيخ والسلطة الحاكمة وهوما جعل هذا الجيل من أحفاد تلك القبائل يتنفس تلك الأحداث الموجعة التي شهدها النصف الأول من القرن المنصرم. الحديدة

مجاهد القب


الشهران الأخيران سجلا فصلاً مؤلما من فصول انحراف استخدام سلطة الدولة لقمع الانتفاضات التي تتحرك على الدوام بفعل قضايا مطلبيه ومظالم وينشأ حلف ظالم بين السلطة وبين سطوة ووجاهة الشيخ الذي يقبل أن يكون إحدى ادوات الظلم والقهر مقابل الحصول على امتيازات غالبا ما تكون على حساب رعاياه وتقديم القرابين للنافذين في سلطات صنعاء المتعاقبة..

"الشارع " تتجول في ما يمكن أن نسميها بـ"دويلة الشيخ "الممتدة من ساحل البحر غرباً إلى تخوم جبال ريمه في الشرق، المساحة المرضي عنها من صانعي الخارطة الأمنية والسياسية في تهامة والتي لا يختلف أقطاب الحكم عليها..

 تلقى الملتقى الوطني لحقوق الإنسان استغاثة عاجلة من أهالي قرية "الكشعة" الواقعة شمال شرق مديرية بيت الفقيه، تطلب منهم التدخل العاجل وإنقاذهم من طغيان عبد الله يحيى منصر الذي داهم قريتهم بالعشرات من المسلحين ومعه مجموعة من عقال بعض القرى المجاورة المعروفين بولائهم له، أنذرهم الشيخ بضرورة مغادرة قرينهم وأن عليهم البحث عن مكان آخر للسكن وإن تجاهلوا كلامه فسيتم شراء الأرض التي عليها منازلهم في مدة اقصاها شهر، وإلا فعليهم تقع سوء العواقب كما ورد في استغاثتهم كما أفادوا بأنهم ذهبوا لاجئين إلى نيابة "المنصورية" التي احالتهم إلى قسم شرطة "بيت الفقيه" والذي قام باحتجاز شكواهم لعدة ايام دون أن يحرك ساكنا وانتهى بنصحهم بأن عليهم التوجه إلى محافظ المحافظة لعرض شكواهم عليه، وأنه الجهة الوحيدة القادرة على إنصافهم من نجل الشيخ وهو ما دفع الأخير إلى الاستمرار في تهديده لهم.

 قرية "الكشعة" هي جزء مما يعرف بـ"بلاد المجاهصة" الممتدة إلى بعض أجزاء مديريات محافظة ريمة وبها مئات الآبار التي يزيد عمر بعضها على المائة عام كانت تستخدم في سقي القوافل المارة بهم..

تحتفظ تلك المناطق بشواهد تحكي تاريخ الأسلاف كما يقول العجوز الطاعن في السن على سالم بن سالم يحيى الذي أجاب حين سئل عن عمره فأفاد بأنه لا يعلم غير أنه كان برفقة أبية اثناء نزول الأتراك من الجبال إلى تهامة وعودتهم يرددون أغاني النصر كما ساهم بنشر الخبر أثناء رحلات الرعي اليومية ويتذكر يوم قتل والده في حرب "القوقر" وفقدان ابن عمه الذي أخذه جنود الإمام إلى الجبال، ولم يعلم في أي جبل هو حتى حين وصول "الشارع " اليه..


هذا العجوز يعيش منذ تلك الفترة على هذه الأرض التي يدعي الشيخ ملكيتها ويطلب من الأهالي شراءها أو إخلاءها أفاد هذا الرجل بأن عساكر الشيخ وضعوا علامات بجوار منزله وحين صاحت بهم زوجته تمنعهم نهروها وهددوها بأنها إذا لم تراجع زوجها ويخرجا من بيتهما فسيندمان..

الرجل الطاعن في السن وزوجته المتقدمة هي الأخرى في العمر، هما جدا جيل ثالث من نسلهما يقطع حديث امراته قائلاً: "احنا ربينا في ته امارض لا مايو ولا نور مثل امدن ولا ملامة يخلقوا امجهلة ويكبروا لامرعي ويصابن مع امغيب واليوم يشن مننا امبيوت (نحن نشأنا في هذه الأرض ولم يصل إلينا الماء ولا الكهرباء ولا المدرسة كما في المدن يولد أبناؤنا ليعملوا رعاة غنم يذهبون مع الفجر ويعودون مع مغيب الشمس والآن يريدون منا التخلي عن بيوتنا).

ويوجه تساؤله إلى "الشارع " "ما تحيد يا ولدي؟ اذا من قل امدين ولا ما هو؟!) (مار أيك يا ولدي؟ ! هل هذا من نقص الوازع الديني أم ماذا ؟ وينهي حديثه بعبارته "احنا هنه كما خلوا احنا بيت حميد الدين والا فيانها امجمهورية ته بالله عليك؟!) (نحن هنا كما ته كنا حكم آل حميد الدين لم يتغير شيء فأين هي هذه الجمهورية التي يتحدثون عنها..

واقع مرير لسكان هذه القرية والقرى المجاورة لا يعرفون الأسواق إلا يوما واحدا في الأسبوع يبيعون وح الزرانيق


15 جندياً هاجموه في مزرعته وضربوه حتى جثا على ركبتيه ثم اعتدوا على زوجته وأبنائه بالعصي والهراوات وأعقاب البنادق واقتلعوا صفين من أشجار الموز

"حسن مجهصي" سجن 7 أيام بذريعة سكنه في أرض تعود ملكيتها إلى الوقف, بعد أن طلبوا منه شراء الأرض من الشيخ وحين رفض طالبوه بإخلائها بحجة أن الأرض تابعة للأوقاف

ما تيسر من السمن والحطب, والدواب نعينهم على ما يقتاتون به وهكذا, ما يزيد شقاؤه هو تدخل أوقاف المديرية, بإيعاز من الشيخ, والتي أدعت مؤخراً ملكيتها لأراضيهم, رغم أنه يدخل قرية "الكشعة" يمر بجانب المقبرة التي يدفنون بها موتاهم, والموجودة منذ عشرات السنين, والتي فيها ضريح أحد أوليائهم.

حسن محمد مجهصي, والذي سجن في قسم شرطة "بيت الفقية" لسبعة أيام بحجة سكنه في أرض تعود ملكيتها إلى الوقف, يتهم نائب مدير القسم بمحاولة إرغامه على شراء الأرض التي عليها بيته, من الشيخ, وكتابة صك بقيمتها, إذا لم يستطع الدفع في حينه, وبعد أن رفض طالبوه بإخلائها, بحجة أن الأرض تابعة للأوقاف, وهو ما رفض التعهد به, وقال مجهصي إنه خرج من السجن بعد أن دفع 10000 ريال وتوسط في ذلك أحد أعيان المديرية بعد أن تيقنوا من عدم رضوخه لما يبغونه منه.

أما محمد حسن مجهصي فيقول إنه اقتيد إلى (هنجر) خلف محطة غاز يملكه الشيخ يحي منصر, وهناك وجد شخصين أخرين محتجزين في المكان نفسه, ولبث معهما حتى قرب انتهاء اليوم وخرج بعد أن دفع مائتي ألف ريال، ولم يعطوه ما يثبت ذلك وبعد الأخير من كبار مالكي قطعان الأغنام في القرية, ويقول إنه رفض دفع أي مبلغ بعد ذلك, بسبب دخول الأوقاف في ادعاء ملكية الأرض وتدخل المنظمات الانسانية والحقوقية لإنقاذهم من سطوة نجل الشيخ, وأفاد عدد الأهالي بأن الشيخ يحيى منصر نفسه قام بالإشراف على قياس مساحة الأرض, وهو ما جعلهم يحسون ألا فائدة من الشكوى إليه.

المدير (إسماعيل قادرو) رفض ذلك كما رفض السماح بالدخول إلى السجن للقائه داخل سجنه, مهدداً بأنه لا يمكن لأحد الدخول إلى السجن مهما كان.


"الشارع" انتقلت إلى قرية السجين والتقت اسرته في المزرعة التي جرت واقعة الاعتداء فيها كما ظهر بها أشجار الموز التي اقتلعت من جذورها. جمعة حسن جابر غلاب, المكناة بـ"الشلاعة" (نسبة إلى زوجها) تروي ما جرى لهم يوم الثلاثاء بقولها: "امعسكر شمتوم بنا وننتفوا غرس أموز حقنا ولكدوا احنا بامفرايق وبخشب امبنادق ضربوني أني وزوجي ومصاحفي وبناتي".

وبعثت الشلاعة نداءها إلى أصحاب النخوة بصراخ قوي ممزوج بأصوات بناتها وأطفالها قائلة: "امعساكر هتكوا احنا, ضربوا بناتي وأخذوا مقرمتي وقيدوا بها زوجي وعيني تحيدهن بعد ما زبطوه بامجزمات لما برك ورموا به فوق امطقم, يان امدولة ذي اللي يقولوا عليها؟ّ! ذيلا أمن ولا عصابة؟!ما هبينا؟!".

ويرتفع صوتها: "يا أمة محمد! ياموحدين! أسألكم بالله! ترضيكم ذي امجرايم؟!".

حديثها كان يفيد بأن عساكر الأمن هاجموها واعتدوا عليهم بالضرب وانتزعوا غطاء رأسها وقيدوا به زوجها أمام عينيها بغية التنكيل به والإمعان في إذلاله بعد أن انهالوا عليه ركلاً بأرجلهم رغم أن عمره تجاوز السبعين عاما. وتساءلت عن هوية المعتدين وهل هم عصابة أم ماذا؟

الحجة جمعة أم لست بنات وخمسة أبناء. أفادت بأن كل المستشفيات رفضت منحهم تقريراً طبياً إلا بعد أخذ موافقة الجناة (إدارة أمن بيت الفقيه).


إخماد الثورات               

في الأيام الأخيرة من سبتمبر الماضي, تحركت عشرات من أطقم المركزي إلى منطقة المسعودي في مديرية بيت الفقية. إثر منع المواطنين مهندسي الكهرباء من إعادة الأسلاك التي سقطت في تلك المنطقة, وهو ما وجد فيه الأهالي حدثاً يطالبون من خلاله بما يستحقون أملاً في إيصال التيار إلى قراهم, وهو نفسه ما وجدت فيه قوات الأمن حدثاً مهما يجب استغلاله لاستعراض قوتها في مقلب معقل "الزرانيق", والتي يقع فيها منزل الشيخ, ومن جهة أخرى لاختبار مدى طاعته وولائه والذي لا يظهر إلا في مثل هذه الأحداث.

ما جرى في اليومين اللذين سبقا تلك الواقعة كان عفوياً من قبل الأهالي. كانت البداية تجمعا بسيطا لأهالي المنطقة, وتصدوا بنجاح لطقمين أمنيين قدما من مديرية بيت الفقيه والمنصورية.

أر تفع عدد الأهالي المحتجين, ما استدعى إعلان استنفار في قوات الأمن المركزي, فنفذت هجوماً شرساً على التجمع, ما أسفر عنه مقتل شخص وإصابة العشرات, يومها, قالت مصادر لم يتضح صحة ما نقلته, إن الرصاص الحي اخترق منزل الشيخ يحي منصر وكاد أن يؤدي به؛ ولكن مصادر أخرى أكدت لـ"الشارع" توافد مشايخ الزرانيق والقبل المحيطة إلى دار الشيخ معلنين وقوفهم إلى جانبه, وعقدوا العزم على توجيه صفعة للسلطة المركزية تبدأ من إغلاق الميناء, وانتهاء بسد منافذ تهامة, والتصعيد حتى يتم إخراج كافة المعسكرات.

هذه الحماسة قابلها الشيخ ببرود يستدعي الغرابة. دعاهم إلى تأجيل الخطوات التصعيدية؛ إذا كان قد عقد ما يشبه التسوية, لم يفصح عنها في حينه, قضت بإعادة التيار الكهربائي مقابل التعهد بإيصال الكهرباء إلى المناطق المحرومة, المناطق التي انطلقت منها الاحتجاجات, ومقابل تعويض أسرة الشهيد والمصابين في تلك الواقعة.

وبالفعل تم إعادة التيار, وظلت مناطق الاحتجاجات تغرق في الظلام كما كانت سابقاً, ولم يعد يذكر حتى اسم الشهيد او أي تعويض للجرحى, وحصل الشيخ يحي منصر على منصب نائب رئيس مجلس شورى تحالف القبائل اليمنية, الذي أسسه شيخ حاشد, صادق الأحمر.


تدمير مشاريع المنظمات الدولية

لم يتوقف الزواج غير الشرعي بين سلطة الشيخ والدولة بعد القضاء على الانتفاضات فحسب, بل مضى إلى أبعد من ذلك بكثير؛ فتهجير القرى لا يكون دائما بقوة السلاح كما هو الحال في قريتي "الحائط" و"القازة" بمنطقة "الجحبة"السفلى.

سكان هاتين المنطقتين طاردتهم كثبان الرمال وزحف على منازلهم إلى حين وصول منظمة (G.I.Z) الألمانية.

بدأ العمل من مشروع يسمى "إنقاذ الأرواح والعيش الرغيد". المشروع يسعى إلى الحد من البطالة في القريتين اللتين بلغ عدد سكانهما قرابة 3500 نسمة. كان قد بلغ إجمالي المستفيدين من المشروع كأيد عاملة قرابة 500 عامل عبر بناء حاجزين يعملان كمصد للريح, أحدهما ميكانيكي والآخر بيولوجي, وهو ما أزعج الشيخ فأعلن حربه على القريتين في إبريل الماضي, مدمرا حاويات حفظ الماء وأحرق سعف النخيل التي زرعها ودمر عشش العمال وأتلف شبكات توصيل المياه.. إلى آخر ما تم تدميره وإنهاء جهد أربعة أشهر.

أعلنت المنظمة بعدها مغادرتها الموقع بعد خسارتها ما يقارب عشرة ملايين ريال, أعلن الشيخ انتصاره على اللا شيء لم يحدث سوى الخراب والدمار, وحاصلا على المرتبة الأولى من دعوات المستضعفين والمقهورين. لم تفلح كل استغاثاتهم ومسيراتهم أمام مبنى المحافظة أو حتى مكتب حزب الشيخ الذي يشغل منصباً رفيعاً فيه.

كل ما استطاعوا الحصول عليه يومها وعد من محمد عبده الفاشق, الذي طمأنهم بانه سيتحدث مع الشيخ في أقرب فرصة عنهم حين يلقاه, وبعد تكرار مساعيهم قيل لهم إن الأرض ثبت ملكيتها للشيخ رغم وثائق يصل عمرها إلى ما يزيد على المائة عام.


تجهيل الأجيال وزرع الأمية

عمل ذاك الاتحاد بين السلطة ودويلة الشيخ على سد أي منفذ للنور, فحطم عدد من الفصول المبنية من القش في مديرية بيت الفقيه كل الأرقام القياسية التي تنافست بها مع نظيراتها من المديريات, وظل حلم تعليم أبناء قرى مديرية بيت الفقيه حلما يراود الآباء ويعتبرونه كوابيس يفيقون منها راضين بالأمر الواقع.

"الشارع" التقت أطفال القريتين سالفتي الذكر في ثلاث عشش متباعدة, إلا أن عشة القش المخصصة لطلاب الصف الأول خالية؛ إذ كانوا يستظلون بظل شجرة ربط بجانبها حمار, وبعد سؤالهم عن سبب إخلائهم الفصل قالوا إن أفعى سقطت من سقفه, وحين سألنا أحدهم عن أمنيته حين يكبر قال: "سأحبس الشيخ مدى الحياة" أمنيته هذه كانت هي القول الفصل.

                                                                                                  "فيديو"

زر الذهاب إلى الأعلى